الخميس، 17 فبراير 2011

صباحي خارج أبها " ممل "


" الصباح الأول "



لا زال ( الصباح ) .. في نظري هو تمرد عن هموم الليل والسهر .. ولا زال ( الصباح ) .. في نظري هو انقياد الفكر نحو مالا اعلم ..
ليس كـ كل مرة .. صحوت هذا الصباح .. ولم اواصل حتى الصباح ..
منذ عام ونصف تقريبًا .. اشعر بأني لم أسهر تلك الساعات المتأخرة من الليل ..
لأول مرة تقريبًا .. أشعر بلذة العيش وحيدًا .. دون السهر مع ذكريات الحبيب أو الصديق القديم أو المستقبل الغامض أو ماذا سأصنع غدًا ؟
ربما كان " النوم " بالأمس الساعة ال 9 ليلًا .. تحول مفاجئ في حياتي ( العاطلة ) عن خدمة المحيط الذي اعيش فيه .. ليس لأني لم أجد الوظيفة .. بل لم اجد الراتب ..
خطوت أول دقائق هذا الصباح بعد أن صحوت متفاجأً بعدم السهر .. وكانت هذه الخطوة نحو سجادة الصلاه .. لاسجد الى الخالق سبحانه جل وعلا .. بعدها لم يكن لدي ما افعل .. بعيدًا عن " أبها " .. فأنا المشتاق يا " أبها " ..

لم تعجبني هذه الاجواء المناخية .. لقد اعتدت على ذلك البرد القارس .. عندما التحف معطفي وامضي في شوارع " ابها " في الساعات المتأخرة من الليل .. وكل أنظار " الشرطة " تتجه نحوي .. كنت انظر لنفسي وكأني انسان طليق يعيش في ممتلكاته التي لن يمنع منها .. كنت عندما " يضيق خاطري " .. أخرج الى شارع صغير .. وأبدأ بالمشي فيه حتى يمر صديق دراسة او حارة قديمه او ابن عم .. وتجمعنا الصدفه .. كانت تلك لحظات لتغيير " مافي الخاطر " .. وكنت أخرج وانا قاطع شكي باليقين بأن تلك الشوارع الصغيره لن تخذلني وتجعلني غريبًا بين المتجولين .. كانت تحب " اجتماعيتي " في محيط " ابها " ..

كنت في غرفتي المتواضعه التي تعيش في " ابها " .. استمتع كل صباح بتلك الشجرة النائمة على طرف جدار البيت منذ أن عرفتها .. فـ هي دائمًا تعيش في خمول ونوم .. لم أراها يومًا ماء مستقيمة الى السماء .. بل كانت تقبل جدار البيت دائمًا .. ربما قد عاشت " قصة حب " ولم تجرب عشق ذلك الجدار لأنها لم تفارقه .. كانت اصوات " العصافير " تزعجني قليلاً عندما اكتب .. لكني احاول ان امضي على " العرف " بأن العشاق يستمتعون بصوتها .. للاسف انا لست عاشق لأي حبيبه .. فأصبحت انزعج منها .. فهي في نهاية المطاف اصوات تشتت الكاتب ..

وبعد ان تمر ساعة بعد صلاة الفجر .. كنت استمتع ايضًا .. بصوت تلك " القربعه " في المطبخ عندما تقوم " جدتي " بإعداد مشروبها المفضل " القشر " .. وتذهب للمشي في انحاء الصاله بينما يغلي ويتدفق على " عين الغاز " محاولاً أن يوقف تلك النار الحارقة .. وكأنها يقول لها " كفى " لقد ( استويت ) ..

كنت اخرج دائمًا بعد أن اتيقن بانتهاءها من قهوتها الصباحية حتى لا توبخني بتلك الكلمات التي تداعب جيلنا باستحقاره لأنه لا يروق لي ذلك " القشر " عندما تحاول ان تجبرني بأن اشاركها في شربه ..

كنت اذهب لامارس هوايتي في " التوّنس " على ( اخوي ) الذي لا يزال في بدايات دراسته كارهًا تلك المدرسة .. وباحثًا في نفسه دائمًا عند الحديث معي عنها .. عن ذلك " الحقير بنظره " .. الذي قام باختراع تلك المدرسة .. وكأن الفنان " ناصر القصبي " لم يكذب عندما جسد لنا تلك المعاناه التي يعيشونها .. عندما قال " ودي اجيب اللي اخترع المدرسه .. واقعد اشوت فيه اشوت فيه اشوت فيه وانطله من فوق السطح .. تصدق ؟! " .. وبالفعل صدّقت .. ولكني لم افكر الا الان وانا اكتب لكم بأني كنت أحد اولائك المنتمين الى الفكر المحارب للدراسة ..

كنت اقوم بتصحيته على طريقتي الخاص .. ( قوم قوم قوم قوم قوم قوم قوم ) .. متداخلة مع تلك الضحكات التي دائمًا ما يصفها " باللعـيـنـة " .. ربما انها غائبة عنه اليوم وامس ..

لكني قمت باعطاءه تلك الجرعة المكثفة قبل مغادرة " أبها " .. عندما قلت ( يا حلييييييييييلك كل يوم تقوم الصبح تداوم ) ..

كنت اعود بعدها للجلوس مع " الوالدين " للفطور قبل دوامهم .. ونتحدث في السيناريو المعتاد .. عن تلك الوظيفة المنتظرة .. التي لم تأتي ملامحها بعد .. ولا اعلم لم لا يصيبنا الملل من كثرة الحديث عنها رغم انها متكرره .. وكان حديثنا كالعادة ينتهي بتوصية من الوالد " الساعه 11 جب دجاج الأخوين " .. حتى لا تغيب تلك الوجبة المفضلة لنا كـ سعوديين بأكلها " كبسة دجاج " .. كنت دائمًا احضرها لكني لا اشاركهم فيها .. ليس لأنني لا احبها .. بل لأن ( وطنيتي ) لم تكتمل الا اذا توظفت .. ثم سأتناول " الكبسة " معهم ..

كنت بعدها اعود الى فراشي ليس للنوم .. بل لمواصلة التجول في انحاء شبكة " روما الى الابد "  التي لا تملك الا القليل من ابناءها الصباحيين .. كنت استمتع بمشاركاتهم الخجوله .. عندما تخرج حروفهم وهم يعلمون انها لن تقرأ غالبًا الا بعد الساعه 2 ظهرًا عندما تخرج " سجون " المدارس بقية ابنائنا ..
كنت ادخل على عضوياتهم واتطفل الى آخر مشاركاتهم .. ربما قد يستهويني شيء للحديث عنه ..

اثناء ذلك التجول .. يصرخ " باب " غرفتي : ( جدتك تريدك ) .. اسمع كلمات جدتي وانا لا ازال احمل السماعات في اذني مستمتعًا بأغنية او شعر او صوت " طنطنة الماسنجر " .. كنت لا اسمعها جيدًا فأنزع السماعات واسمعها تطلبني : " تسيّرني عند عمتك " .. المشكلة ان لدي 5 عمات متفرقين بين ابها والخميس .. واحده منهم فقط قريبه .. كنت احبها لأن المشوار لا يكلف البنزين الكثير .. حتى اني صرت اضطر احيانًا بأن ارد على جدتي بصوت متذبب وكأني نائمًا .. حتى تخشى علي القيادة وانا تحت تأثير النوم ..

كنت في " ابها " .. استنشق ذلك الهواء العليل .. الذي قيل انه لا يحوي الاوكسجين الكثير .. كما الشاي بدون سكر .. فأصبحت احب أن يكون هواي بلا أوكسجين .. فقد اعتدت على ذلك كما اعتاد محبّي الشاي بلا سكر .. اعيش الان خارج هذه الاحداث التي ذكرتها واصبحت كالروتين في حياتي .. الروتين الجميل ..

خارج اسوار " ابها " .. لا اعيش كما أنا .. فقط اريد الحديث عن ذكرياتي مع الحبيبة " ابها " .. كأول عاشق يحب ذكريات حبيبته صباحًا .. وليس ليلاً مع نغمات السهر ..

لا تلوموني في هواها .. قلبي ما يعشق سواها

سأواصل الحديث عنها وعن ذكرياتي معها .. في صباح آخر ..

ربما لن أغيب عنها كثيرًا .. لكنني اكتشفت ان يومي خارجها .. بـ " سنة " ..




" الصباح الثاني "

بعد سبات عميق .. يدخل شعاع الشمس بلا اذن مسبق .. يدخل الى غرفة لا اعلم هل هي من ملكيتي أم انها مستأجرة فقط لا غير .. لكنني اتصرف وكأنها ملكي .. ويردعني عن ذلك صاحب الفندق عندما يضع لي تلك الورقة على " الثلاجة " ويكتب فيها مذكراته بأني مسؤول عن كل شيء من ملاعق وصواني وبراريد .. يكاد أن يقول لا تسرف في الماء وكأن الجميع في نظره مسرفون .. يجدول في اسفل تلك الورقة عن تلك العصائر والبساكيت الفاخرة .. ربما كان اقل واحد منها سعرًا عند ( البنقالي ) 4 ريال .. لكنه يضعك امام الامر الواقع بأنك داخل ذلك " السويت " في الدور البعيد جدًا عن سطح الأرض .. ويدخل في نفسك الهم من الذهاب لشراء ما تحتاجه من " البقالة " .. فـ يوفرها لك جميعًا .. لكن بسعرها وبسعر الخدمة .. حتى ان سعر الخدمة فاق سعرها الحقيقي ..

افتح " الثلاجة " كل يوم .. وانظر اليها باستحقار .. واحاكي نفسي :

لم اكن ذات صباح من صباحات " أبها " الجميلة .. افتتح صباحي بأحد هذه المنتجات المبالغ في سعرها من شركاتها عندما ترفع سعر تلك القطعة الصغيره الى اسعار كبيرة .. و ( يدبل ) السعر ذلك الفندق بإسمه الفاخر مظهرًا لا معنويًا لسكانه ..
فعلاً .. لم يكن صباحي معتمدًا على هذه ( الطراوع ) .. ولكني ايقنت تمامًا انهم يريدونها للسهره .. فأنا لا اسهر هذه الأيام ..
اقفلت تلك " الثلاجة " وأنا ( ميت ضحك ) .. عندما أتخيل نفسي وانا افطر ( خبز ومارس وباورهورس ) .. وضعت ذلك الصحن الصغير على طاولتهم الكبيرة التي كنت اتخيل بأن سيارتي فوقها ستأخذ ( النمره الثالثة ) من طول هذه الطاوله .. وضعت ذلك الشاي الذي افتقد لهويته في داخلي عندما لم يضاف اليه ( الحبق أو النعناع ) بحسب مزاجي عندما كنت في " أبها " .. عندما كانت تلك المزرعة البسيطة في جانب " حوشنا " المتواضع .. تمدنا بجميع ما نريد من الخضروات ..
وعندما افتقد الخبز لهويته في نظري أيضًا .. عندما رأيت خبز ( السوق ) .. مفتقدًا قرصان ( التنور ) .. عندما تقوم والدتي صباحًا بالعجن والخبز في الجهة الأخرى من " الحوش " .. بينما كانت نكهة الخبز تمتزجها نكهة " الحطب " .. وحرارة (القرصان ) تجعلك تتردد في قرارك عن الابتداء في فطورك من تأجيله لثواني كأنها ساعات من شوقك لطعمه وبساطته ..
وعندما تفتقد تلك الجلسة البسيطة بالحديث مع والديك وجدتك .. وكل منكم صوته مختلف قليلاً يبين آثار النوم .. لكنها موسيقى رائعة ترقص على اطراف اذنك ..
نعم لقد افتقد فطوري " هويته " .. افتقد تلك ( السفرة ) عندما كنت احتار دائمًا بالبحث عن تلك التقطعات الصغيره التي تجعلني " افصلها " .. ومن ثم افتحها واجعلها تنزل كـ ( محلق الباراشوت ) على " زولية " المجلس .. ما اجمل منظرها عندما يتطرفها الفناجيل والبراد الصغير على ذلك الصحن الشعبي .. وتلك الصحون المتناثرة على اطرافها من " جبنة ومربى وبيض وما الى ذلك " ..
تنظر تلك الصحون المتناثرة الى عنجهية ( قرصان التنور الساخنة ) .. وذلك العجاج يعلو منها متجهًا الى السقف .. وكأن تلك القرصان قد اكتسبت الثقة من جميع اطراف السفرة بأنها " الكل في الكل " .. وبدأت "تدخن" بشموخ ..

بعد أن انتهي من فطوري الفندقي المفتقد لهويته .. لا تشبعني تلك الجبنة ولا الشاهي بلا نكهات متطفلة ولا الخبز المفرود من مكائن المخابز .. تبقى كما هي على ذلك الصحن كبير الحجم في المطبخ .. صغير الحجم على الطاولة .. لكن قد عبثت باطراف الخبز على القليل من الجبنة حتى اسد الجوع .. ولا زال الشاهي قريبًا من عتبات الكأس لكنه ابتعد قليلا بفضل تلك " الرشفه " القليلة ..

ذهبت الى دولابهم وفتحته واخرجت شماغي وثوبي ولبستها .. وخرجت من باب الغرفة وأنا اقفلها ونفسي تتحدث على غير العادة : " بأقفل بالمفتاح عشان لا يجيها احد واغراضي موجوده وتنسرق" ... هكذا كان حديث القلب بعكسك يا " أبها " .. عندما كنت اخرج من بيتي وانا لا اهتم هل الباب مفتوح أو مقفل .. لأني اعرف المحيط الموجود في " الحاره " .. واعلم بيقين تام بأن تلك الجدران المتواضعة تعرف الداخل والخارج .. وتحرس ممتلكاتي .. بعكس هذا الباب الخشبي الفاخر ..

أخرج في شوارع " هذه المدينة " .. انظر الى اللوحات والشوارع .. يختلجني ذلك الشعور بأني " بأضيع " .. لولا براعة " الموصفين " عند الاشارات .. استكمل اشغالي الخاصة .. واعود الى ذلك الباب الخشبي الفاخر .. لأقوم بفتحه وأنا في شك عن باقي ممتلكاتي تحت حديث الذات : " الله يستر " .. لا يشغلني سوا ( اللاب توب ) .. الذي يحمل كل ما املك من قصائد واشعار تحمل شعوري المختلف نحو كل شيء .. خلال ال 6 سنوات الماضية ..

دخلت وأنا الآن اكتب لكم تحت تأثير ازعاج شارع مليء بالسيارات ..


" الصباح الثالث "



كانت الساعه ال 5 والنصف صباحًا .. كانت نغمات الجوال لا أكاد اسمعها .. فهي تصرخ لي بصوت " مبحوح " .. تخالطه همهمات متعرجة .. وكأني به مشتاقًا إلى " أبها " .. صحوت من نومي للرد .. وقد ملت تلك النغمة من " تصحيتي " .. فـ صمتت .. اخذت " الجوال " لأرى من هو المتصل .. كان أحد الاصدقاء الذي اعتدنا على لقاءنا في هذا الوقت شبه يوميًا .. كنا نذهب الى أعلى جبل يلامس السحاب بأكتافه .. ورأسه ينظر من فوق السحاب الى " أبها " .. كنت انا وصديقي بالنسبة لهذا الجبل .. " قبعة " صوف تجذب البرد اليها فداءً لشموخ هذا الجبل ..

اسم ذلك الجبل " نهران " .. لا نعلم ما سبب تسميته ولا نعلم ما هو تاريخه ولا نعلم كم طوله .. فقط كانت معرفتنا في أنه يعلو السحاب وبارد المناخ .. نتسلق انا وصديقي قمته بعون " سيارة " أحدنا .. عندما تقف بنا في القمة .. أول ما نقوم به هو الصمت " لا شعوريًا " .. والنظر الى " أبها " .. ندور بأبصارنا من اليمين الى اليسار .. كلها " تلقائيًا " .. كل يوم نأتي فيه نشاهد نفس المنظر .. تلك الحدود القريبة والجبال المجاورة وكأنها امواج لا تريد الحركة .. جمّد أعاليها برد " أبها " القارس .. وقفت على حدود " أبها " .. لتستمتع بشوارعها في هذه الساعات التي اختلف عليها السهر والصباح .. لا اعلم لمن تنتمي لو سألوني .. هل اقول ساعات الظلام ؟ .. أم ساعات النور .. هي بكل بساطة في هذا الوقت .. مدينة بسيطة تشع من اطرافها تلك " السهّاريه " .. لتبث نورها الشاعري على انحاءها .. ونعيش ما بين الظلمة والنهار ..

تجمعنا لحضة الانتهاء من النظر .. كلمة " هيا نزلنا ؟ " .. ننزل وكل منا قد التحف بما يقيه من لسعات البرد .. تحيط باجسادنا من فوق الثياب " فروه " .. نعيش في داخلها صيفًا .. لا نشعر بالبرد .. في الوقت ذاته تعيش ( كفوفنا ) شتاء " أبها " تحت نظرات اليأس والغيره من بقية الجسد " المتدفيء " داخل ( الفروه ) .. تبقى هذه " الكفوف " تقاوم البرد باحتضانها لبعض فيقوم كل منا " بفرك " كفيّه لجلب الدفء .. لا تجدي احضانها غالبًا .. فـ تبدأ بالبحث عن ثغرة في هذه " الفروه " .. وتحاول الدخول قليلاً بلا إذن .. تدخل لتلتصق بأي مكان بأجسادنا الدافئة .. تحاول البقاء .. أصبح كلٌّ منا يتحدث ويديه مختبئة داخل جسمه من رعب الشتاء .. احيانًا يختلج حديثنا ذلك الشعور الذي يجبرنا لنقوم " بألتأشير " لوصف مكان أو جهه .. احاول الاستعانة بيدي للإشارة .. لكنها ترفض خوفًا من البرد .. فنضحك من تلك الاشارات المستعينة " بالرأس " .. يتخللها محاولة صعبه في اقناع الآخر بالاتجاه الدقيق .. لأن رؤوسنا لا تملك " سبابه " تصيب الهدف بدقة .. نحاول ان نستعين باليد احيانًا للحالات الطارئة .. لكنها لا زالت " مصرّة " على الرفض .. فنستعين بـ " الدرج " الواقع في اسفل الوجه .. فيتقدم أحد " الفكين " على الآخر حتى يحدد الاتجاه بشكل أدق من ذي قبل .. فينتهي الوصف بالـ " شرشحه " .. من أحدنا للآخر ..

يقوم احدنا بعد نظرات التأمل القليلة .. بجلب الحطب من " شنطة " السيارة .. ولا زالت الشمس مختبئة خلف الجبال .. نرمي الحطب فوق بعضه ونشعل النار .. تبدأ في جلستنا خجوله .. وكأنها لا تريد المشاركة .. لكن اصرارنا في اشعالها .. يدخل في نفسها الاطمئنان لهذه الجلسة وتبدأ بالمشاركة " حبه حبه " .. نضع بعد ذلك " البراد الأصفر " ذو المظهر الشعبي .. ربما كان لشكله تأثيرًا في طعم " الشاهي " .. ونقوم بـ " حكر الشاهي " .. ليستمتع أحدنا عند أول " رشفة " بالمقولة المعتادة : " والله شاهي محكوووووووووور " .. ثم ( نتمرقح ) .. حتى ننتهي بتلك القطرات المركزة في أسفل " البراد " التي لا تكاد أن تملأ نصف " فنجال " ..

نتمرقح : كلمة جنوبية تقال للشخص اللي يشرب الشاهي او القهوه بكثرة .. ويقولون تمرقح فلان ..

تتسلق الشمس ذلك الجبل المقابل .. تبدأ بنظرة خجولة من بين الجبال .. وكأنها تريد الاستئذان من " أبها " .. لتتسلق سماها رويدًا رويدًا .. دائمًا ما تكون تلك الجبال وهذه الارض متسامحة .. فتأذن لها ليشع النور في جميع انحاء " أبها " .. حينها .. نجمع أغراضنا .. بساطنا المتآكل من طرفه .. برادنا الأصفر الذي اعتدت عليه النار .. أغراض الشاهي المتناقصه يومًا بعد يوم .. تلك الفناجيل التي افتقدت لمعانها وبريقها من " التمرقح " .. كلها تعود الى " شنطة السيارة " .. وكأنها خرجت في نزهة وافتقدت بعضًا من اجسادها .. نتوادع من " الحطب " .. نتركه وحيدًا .. لا يريد العودة الى " الشنطة " حتى لا يراه ابناء جسده .. وقد افتقد لهيبته وصلابته .. نتركه من ضمن الآثار .. يتخللها قليل من الذكريات لطلعتنا القادمة عندما نهمس لبعضنا : " كنا قاعدين هنا " ..

نستودع تلك الاجواء الجميلة التي احتضنت البرد والسوالف والشعر والطواريق والضحك .. تحت هدوء صوت " محمد عبده " أو " طلال مداح " أو كاظم الساهر " .. أو غيرهم من ذوي الفن الراقي ..

أعود الى سماعة الجوال لأتحدث مع " صديقي " .. واعتذر منه بأني خارج الديار .. خارج تربة " أبها " .. لا استطيع الذهاب الى جبل " نهران " .. لا استطيع الجلوس في قمته .. ليرد علي بسؤاله : " متى ترجع ؟؟ " ..

أجيبه : " لا اعلم " .. ينتهي الاتصال .. أذهب بعدها لانجز تلك " المشاوير " .. أعود لأكتب لكم بعض الكلمات البسيطة .. لعلّي أنتهي منها قريبًا إن شاءالله ..

" الصباح الرابع "

البارحه كان الفراق .. وفجري الحاضر لقاء ..
يا رقة انفاسه مع لسعة برد .. يا حضنه الدافي ولو برد الشتاء ..
نبرة خفاء .. فيها وفاء ..
ما اسمعه .. لكن شعوري يسمعه ..

يا نجومه في سماه .. ناظري بهجة لقاه .. خبريه الصبح ياتي علميه اني فـ حراه ..

عادها انوار الشوارع .. في فجرها كل شي نايم .. وعيونها النعسا تقاوم .. تنتظر صبح " أبها " وش يكون .. وش احواله .. وش اخباره .. ما تهنا في رقاد .. لين صبح " أبها " عاد ..
يبدا شعاع الشمس يضوي .. من ورا جبال " أبها " .. مبتسم بطرف ٍ خجول .. مثل طفل فيه نظره .. بابتسامة .. مثل طفل فيه شوق .. يرفع يدينه للسما : احضنيني .. وتحضنه .. تميل انوار الشوارع .. على اكتاف الشجر .. تبغى تنام .. وتصحي الشجر .. وتنام ..

في شوارع " ابها " أمشي .. واسئله ؟ ..
كيف ابها في غيابي ؟ .. ما هزها الشوق مثلي ؟ ..

جاوبتني بلا عيون ..

شفتها تفارق مودع .. ليلة السبت وصباحه .. كنّها ام حنون .. فارقت طفل تنهّد .. صوتها فيه حزن وعينها فيها دمعه .. متشوشره .. صدرها متحشرج ٍ جلجلته الامتعه .. كفها من يوم " سبتٍ " ما نزل من خدها .. وكن في رمش " أبها " وقتها .. نجمة تلمع ثواني .. وتساقط .. ونجمه تلمع بعدها .. وتهادى على خدًّ وكفّ .. تسمع انفاس " ابها " أنين .. تسمع همهمات وشحوبه .. باختصار " فيها عبره " .. ما رضت تبكي وتغرق حضنها البارد رغم رقّ الدموع .. ما حكت لأي واحد .. شفايفها بـ سكوت ..
تصدق ؟! ..
شفت ابها ليلة السبت .. كلها بذاك المطار .. الشجر والشوارع والقصور الشامخه .. وبيوت الطين المتهالكه .. والشموع اللي تداعبها الرياح " ما انطفت " .. والاشارة والرصيف .. والثمايل يا لطيف ..!!
كل القرى سارت مسيره .. والحواري .. كل حاره فيها غيره .. كلها فـ ذاك المطار ..
والمواطن والمقيم والحزين .. والقبر الدفين .. والجموع الوافده .. وباصات ابو سرهد متوافده ..
والحدايق والكراسي والورود .. والنار مشتعله .. وتنظر في برود ..
والمشاعر كلها متجمعه .. اشواق ومحبه وانتظار .. والصبر .. والوعود ..
الحضور والغياب والاعتذار والتواجد والانشغال .. كلهم في حضور ..

كلهم بذاك المطار .. موّدعين .. وابناء " أبها " مسافرين ..

هذي " أبها " في وفاها .. في صفاها ..

هذي احوال الشوارع .. في غياب أي طفل من حضن " أبها " .. صغير ٍ أو كبير ..

,,,

آآهـ .. يا وفاها في غيابي ..!!

{ .. ليل الهوى ..!



يَجْتَاح عَيْنِي في اللَّيَالِ حَبِيبةٌ
تقتاد دمعي للخدود مُسَيَّلِي


أنْهَال شوقًا في محاجِرِ ذا الدُجى
حتى إذا ما الصُبْحُ اقبل ينجلِي


رأفـًا بقلبٍ كادَ يقتُلُهُ الهوى
بين الضلوع المائِلَاتِ مُكَبَّلِي


يا عيْنُ لا ترجي رُؤاكِ مَشَافَة ً
صبري تَهَالَكَ في مشارِفِ مَقْتَلِي


ضَمْئَآن يا دنيا فقلبي مُهْمَلاً
يشتاق رشفًا من كؤوس مُهَمِّلِي


الحُزْنُ أصبح في المَلامِحِ شَامَةً
تشكو الجفاف مِنَ الفِرَاقِ مكَلِّلِي


أقبل إليَّ فما الجَفَاءُ بنافِع ٍ
الجَرحُ عنك وذا الجَوَارِح تَسْأَلي

قبل ما تغفى المدينة .. وينتشر فيها الظلام ,,
ابسألك .. وين اسافر ..

علميني قبل ما ادمع ..!!
عادها عيوني تكابر ..
علميني قبل ما اخضع ..
وينها دروبي واهاجر ..


نامت انوار المدينة .. وانتشر فيها الظلام ,,
باتت احلامي قديمة .. وانتهى ذاك الأمل ..

صرت احاكيك الشوارع ..
صرت اناديك الشجر ..
ما بقى فيني صبر ..
نامت عيوني حزينة ..


قبل ما تغفى المدينة .. وينتشر فيها الظلام ,,
لامسيني قبل افارق .. واتحسسي فيني الوله ..

هذي كفوفي توادع ..
ولا خذت منك سلام ..
وهذي اشفاهي اتراجف ..
ما قوا قلبي الكلام ..


نامت انوار المدينة .. وانتشر فيها الظلام ,,
صرتي ذكرى أو رواية .. صرت في قلبي حكاية ..
اتصفح اوراقك وانام ..
اذكريني لى غفيتي .. اذكريني لى نطقتي ..
اذكريني في صباحك ..
في مساءك ..
اذكريني وان بغيتي .. في برود ..!
يمكن انفاسي تعود ..!!


قبل ما تغفى المدينة .. وينتشر فيها الظلام ,,
اقطفي بايديك ورده .. راقبيها كيف تذبل ..

كيف تزعل .!!
وانظري ذاك الغصن ..
طِلْعَت ورود ٍ جديده ..
ماتت ورودٍ جديده ..
والورق ..؟ فيها يذبل ..!!


نامت انوار المدينة .. وانتشر فيها الظلام ,,
ناظري للشوق شوفي .. وسط هذا الشوق عيني ..
هيّه تدمع .. هي تعاني ..؟!
هيّه تسهر .. هي تعاني ..؟!
رمش ذابل .. طرف حاني ..!
ياللي (ما عينك) تعاني ..!!



حزينه ..!!
يا العيون اللي على ذكرى حزينه ..
ما بكيتك وانتي في جفنك دموع .. وبآخر رموشك تعانيني الدموع ..
متشبثه .. بآخر الرمش الهزيل ..؟!
وخايفه .. لا تذرفين ..؟!
تخنق كلمتي عبره .. قبل انطقك ..
وينفجر دمعي الدفين ..


والدموع المتشبثه .. تساقطت ..
احضنها يا خدي سنين ..
مابه أحد يستاهل الدمع الحزين ..!
 

" سيناريو ,, ( وداع )  "


جـتـنـي وفـــي عيـنـهـا نـظــرة مــــوادع


كنها تحاكيني برحل ذي دموع السفر



مـــن قـبــل لا تـرتـجـف بـشـفــاه قــاطــع


لفيت وجهي عن اللي في وداعه قهر


مــا يحتـمـل قلـبـي شـوفـه فـيـه ضـايــع


معانق الضلع الايسر فـي تُوجِّـد صـدر


قـامـت تحـاكـي خـفـوقـي وهـــو سـامــع


قــام يـهـزهـز بـراســه راضـــيٍ بـالـقـدر


يــــوم قــفــت وراحــــت .. ذا الـمـدامــع


قامـت تـغـرق جفـونـي السـهـر السـهـر


صـــرت اطـالــع لـهــا بـعـيــون خــاضــع


هـز كتـفـي وتنـبـه مــن سفـرهـا الـكـدر


ماعادني الاول ولا عادها خطاي
الله يسهل خطوتي في سفرها

برحل واخلي في زواياك ذكراي
طالع زوايا غرفتك وش كثرها ..!!



يا ظالمه ..

صبحي مع اشواقي سروا .. كنت انتظر .. وملّ انتظاري للاسف ..
وماعاد ينفعني الاسف ..
وانتي بعيد .. وبداخلي نار تقيد .. وش حيلتي ؟!
دام الغزل ماعاد يفيد ؟! .. وش يرضي الغيد الفقيد ..
هذا القلم .. والدفتر اللي يكتبك .. شعر وغزل .. واوراق تشكي مفقدك ..
كنتي على وسادة خفوقي مرقدك .. وش غيرك ؟!



يا ظالمه ..!!
 


ياللي من فرقاه ضاقت بي الوسـاع ..
كيفها دنيـــاك لحظــة مفقدي ..؟

كـــلّ ما اذكــر روحتك جاني صـداع ..
يا عنا راسي مع امس وغدي ..